مقالات

الاستثمار الأجنبى المباشر ضرورة.. ولكن!

بقلم: عبدالفتــــــــاح الجبــــــالــى

أطلق مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة (الأونكتاد) تقريره السنوى عن الاستثمار الأجنبى المباشر فى العالم، والذى يرصد فيه أهم اتجاهات وتطورات هذه الاستثمارات على المستوى العالمى ككل ويسلط الأضواء على السياسات الضرورية والمحددات الأساسية لجذبها. وتنبع أهميته فى ضوء ما يمثله الاستثمار الأجنبى المباشر من أهمية فى إجمالى تدفقات التمويل الخارجى للبلدان النامية، فى هذه الآونة بالذات فى ظل ما يمر به الإقتصاد العالمى من تطورات، ومع تراجع معدلات النمو وارتفاع الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة، وتقلص موازنات المعونات الخارجية، وحاجتها إلى المزيد من الأموال لإنجاز الأهداف التنموية. وعلى الرغم من الزيادة الطفيفة فى تدفقات هذه الاستثمارات والتى ارتفعت من 1.4 تريليون دولار عام 2023 إلى 1.5 تريليون عام 2024 إلا انها تظل أقل مما كانت عليه قبل جائحة كورونا. حيث وصلت إلى 1.7 تريليون عام 2021. ويتوقع التقرير أن تستمر عملية التراجع فى هذه الاستثمارات على مدار العام الحالى نتيجة لحالة الإضطراب وعدم اليقين والتقلبات السائدة على الساحة العالمية. وهو ما يلقى بظلال قاتمة على الدول النامية ومن ضمنها مصر. إذ تعد هذه الاستثمارات غاية فى الأهمية بالنسبة للاقتصاد المصرى فى ضوء الدور الذى تلعبه الاستثمارات (العامة والخاصة والأجنبية) فى العملية الإنتاجية نظرا لأنها المحدد الأساسى للنمو. إذ أجمعت جميع الدراسات العلمية على أن احداث العملية التنموية المطلوبة لامتصاص البطالة والحد من الفقر، يحتاج إلى معدل نمو لا يقل عن 8% سنويا، وهو بدوره يحتاج لمعدل استثمار يتراوح بين 25% و30% ونظرا لضعف معدل الإدخار المحلى والذى لم يتجاوز 4.6% عام 2023/2024، لذا تظل هناك فجوة موارد كبيرة، والتى يتم تمويلها من صافى عوائد الدخل فى الخارج (خاصة تحويلات المصريين العاملين بالخارج) وفجوة الموارد الخارجية (المتمثلة فى عجز الميزان الجارى بميزان المدفوعات) ولا يمكن سدها إلا عن طريقين أولهما الإقتراض الخارجى ومن المعروف أن الأوضاع الحالية لا تسمح لمصر بالمزيد من الإقتراض مع تفاقم أوضاع المديونية ووصولها إلى مستويات مرتفعة وبالتالى صعوبة الإعتماد على هذا المصدر، ومن ثم ضرورة اللجوء إلى الإستثمار الأجنبى المباشر. من هنا تأتى أهمية وضرورة العمل على جذب هذه الاستثمارات وتشجيعها وتنميتها. ويصبح التساؤل هو كيف يمكن استمرار الحفاظ على هذه الاستثمارات وزيادتها، وذلك للحد من التحركات السلبية فى البيئة الدولية؟ وللأسف فغالبا ما يتم الحديث عن هذا الموضوع بطريقة غير صحيحة حيث يتم الخلط بين اجمالى الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة للبلاد وصافى الاستثمار الأجنبى، وهو عبارة عن الفرق بين الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة للبلاد والخارجة منها. من هذا المنطلق فانه يصبح لزاما علينا الإهتمام بشدة بالبحث عن أسباب زيادة التدفقات للخارج، وبعبارة أخرى فبقدر ما يكون الاهتمام بجذب المزيد من الاستثمارات للداخل مهم فانه يصبح وعلى نفس درجة الأهمية البحث عن علاج أسباب التدفق للخارج وهى المسألة التى غالبا ما تغيب عن الاهتمام والدراسة.ويعرف البنك المركزى الاستثمارات الداخلة للبلاد بإعتبارها الواردة لتأسيس شركات أو زيادة رؤوس أموالها (سواء كانت تحولات واردة من حسابات الشركة أو قروضا مقدمة من الشركة الأم أو ممولة من أرباح محتجزة أو ممولة من أرصدة دائنة أو فى صورة عينية)، أو تحويلات واردة لشراء عقارات فى مصر بمعرفة غير المقيمين. أو الاستثمارات فى قطاع البترول أو حصيلة بيع شركات وأصول إنتاجية لغير المقيمين بنسبة 10% أو أكثر من رأس مال المشروع.
وتشير الإحصاءات إلى انه رغم الطفرة الكبيرة التى حدثت فى الاستثمار الأجنبى المباشر خلال العام المالى 2023/2024 حيث وصلت إلى 46 مليار دولار مقابل 10 مليارات فى العام السابق، وذلك بسبب صفقة راس الحكمة، إلا انه سجل خلال النصف الأول من العام 2025/2024 نحو 6 مليارات دولار جاءت معظمها من القطاعات غير البترولية حيث سجلت صافى حصيلة بيع الشركات والأصول الإنتاجية لغير المقيمين نحو 321.9 مليون دولار والاستثمارات الواردة لتأسيس شركات جديدة أو لزيادة رؤوس أموال شركات قائمة نحو 2.9 مليار دولار كما سجلت صافى الاستثمارات الواردة لشراء عقارات لغير المقيمين نحو 732.1 مليون دولار مقابل استثمارات فى قطاع البترول بنحو 196.9 مليون. وعلى الجانب الاخر فقد ارتفع عجز ميزان دخل الاستثمار ليصل الى 17.5 مليار دولار عام 2023/2024 نتيجة لارتفاع الفوائد والتوزيعات المدفوعة على استثمارات الأجانب فى الأوراق المالية الحكومية وارتفاع صافى الأرباح المحققة على الاستثمار الأجنبى وكذلك مدفوعات خدمة الدين الخارجي. الأمر الذى يشير إلى بدء تراجع هذه الاستثمارات ويتطلب العمل على الحفاظ عليها وزيادتها وذلك عن طريق ضمان اتساق السياسات الإقتصادية، فالمستثمر الجاد يعتمد بالأساس على قدرته فى تقدير العوائد والمخاطر المتوقعة فى هذا السياق تأتى أهمية العمل على استكمال تحسين المناخ الاستثمارى وإرساء مبدأ الشفافية والعمل على توفير البيانات عن النشاط الاقتصادى والمتغيرات الكلية القومية ونشرها، والإعلان عن توجهات الحكومة وسياساتها بشكل واضح. جنبا إلى جنب مع حصر التشريعات المعوقة للاستثمار واعداد التشريعات اللازمة لتعديلها وسرعة حسم المنازعات الاستثمارية. فضلا عن ضرورة توحيد المفاهيم والمصطلحات المستخدمة فى هذا المجال، وفقا للمعمول به عالميا ـ وكلها أمور تهدف إلى تهيئة البيئة للاستثمار الجاد، ومراعاة المساواة بين الاستثمار المحلى والأجنبى بما يضمن إرساء مبدأ سيادة القانون وحماية حقوق الملكية وتنفيذ العقود والأحكام، وكذلك الالتزام بالاتفاقيات الدولية. مما يساعد على إزالة المعوقات التى تعوق قدرة بعض المؤسسات على الاضطلاع بمهامها.
لكل ما سبق يجب العمل على تسهيل بناء القواعد الإنتاجية وتعبئة الموارد المحلية واستخدامها أفضل استخدام ممكن من خلال التوسع المنظم والفعال فى بناء القواعد الإنتاجية وتطبيق سياسات عاجلة لتحفيز الاستثمار (الخاص المصرى والأجنبى والعام) والنشاط الإقتصادى عموما، وذلك عن طريق إيجاد بيئة اقتصادية قوية ومستوى صناعى معقول ونمو زراعى يساعد على تلبية الاحتياجات الأساسية. والاستفادة المثلى من الطاقات المتاحة بغية امتصاص البطالة ورفع مستوى المعيشة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى