مقالات

زيارة ماكرون إلى مصر ..تأكيد للدعم وشراكة من أجل السلام

بقلم : ريهام همام العادلي

شهدت الأيام الماضية زيارة مهمة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جمهورية مصر العربية، زيارة لا يمكن تصنيفها ضمن الزيارات البروتوكولية المعتادة، بل حملت بين طياتها رسائل سياسية واقتصادية وثقافية ذات أبعاد استراتيجية، وأكدت على متانة العلاقات بين البلدين، وعلى دعم فرنسا الثابت لمصر ولدورها المحوري في استقرار منطقة الشرق الأوسط. ومن منطلق ذلك أجد أن هذه الزيارة تمثل نقطة تحول مهمة، وتستحق منا قراءة متأنية في سياقاتها ودلالاتها.

أول ما لفت نظري في هذه الزيارة هو التقدير الفرنسي الواضح للدور المصري في ملفات إقليمية معقدة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وتحقيق التوازن في ظل صراعات متشابكة بالمنطقة،وكانت زيارة مستشفي الجرحي الفلسطنيين ومخازن الإمدادات في العريش محطة فارقة .

لم يأتِ ماكرون إلى القاهرة لمجرد التقاط الصور أو توقيع اتفاقيات شكلية، بل جاء محملاً برسائل دعم سياسي مباشر للرئيس عبد الفتاح السيسي، وللرؤية المصرية في التعامل مع أزمات المنطقة، وبخاصة العدوان الإسرائيلي على غزة، ومحاولات فرض واقع جديد يتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

في مؤتمره الصحفي مع الرئيس السيسي، شدد ماكرون على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية فوراً، مع التأكيد على أن أمن إسرائيل لا يجب أن يأتي على حساب معاناة المدنيين الفلسطينيين. هذا الموقف الفرنسي، وإن لم يكن مثالياً أو متطابقاً كلياً مع الموقف المصري، إلا أنه يمثل توازناً نسبياً في خطاب دولي غالباً ما كان منحازاً لإسرائيل.
وهنا، يمكننا أن نقرأ الدور المصري كعنصر توازن في العلاقات الدولية، قادر على التأثير في المواقف الأوروبية، وإعادة توجيه الاهتمام نحو جوهر الأزمة: الاحتلال، والحصار، والانتهاكات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.

كذلك، جاءت الزيارة في توقيت دقيق تمر فيه المنطقة بمرحلة من السيولة السياسية والانقسامات، سواء في السودان، أو ليبيا، أو اليمن، أو حتى في ملف سد النهضة. وقد بدا واضحاً خلال المحادثات الثنائية أن فرنسا تدعم المساعي المصرية للوصول إلى حلول سياسية وسلمية، بعيداً عن الانزلاق في الفوضى أو العنف ، هذه الرؤية المتزنة التي تتبناها مصر منذ سنوات أصبحت محل احترام وتقدير لدى العواصم الكبرى، وعلى رأسها باريس.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد حملت الزيارة زخماً كبيراً من حيث توقيع اتفاقيات تعاون، خصوصاً في مجالات الطاقة النظيفة، والنقل، والبنية التحتية، والتعليم، والثقافة. ولعل من أبرز ما تم الإعلان عنه هو التوسع في التعاون في مشروع مترو القاهرة، والذي يشكل أحد أعمدة النقل الحضري في العاصمة ، كذلك، كان لافتاً اهتمام فرنسا بدعم قطاع الطاقة المتجددة في مصر، وهو ما يتسق مع توجه الدولة نحو التحول الأخضر والتنمية المستدامة ، هذه المشروعات ليست مجرد استثمارات، بل هي تعبير عن شراكة حقيقية طويلة الأمد، قائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل.

الثقافة أيضاً كانت حاضرة في هذه الزيارة، وهذا ليس غريباً على بلدين يمتلكان إرثاً حضارياً عظيماً ، فمن جهة، تعهدت فرنسا بدعم المتحف المصري الكبير والمشروعات الأثرية، ومن جهة أخرى، تم التباحث حول دعم اللغة الفرنسية في مصر، وزيادة التبادل الأكاديمي والثقافي، وهي خطوة تعزز الحوار بين الحضارات وتفتح نوافذ للتفاهم بين الشعبين.

لكن ما يجعلني أكثر تفاؤلاً بشأن هذه الزيارة هو أنها لم تكن مجرد زيارة رسمية تنتهي بانتهاء مراسم الاستقبال والوداع، بل كانت بمثابة إعادة تأكيد على أن مصر ليست وحدها في مواجهة تحدياتها، وأن هناك شركاء دوليين يعترفون بثقلها السياسي وبدورها القيادي في الإقليم ، وهذا ما عبّر عنه ماكرون بوضوح حين قال إن “فرنسا تدعم مصر كقوة استقرار في المنطقة”، وهي جملة تختصر الكثير.
وفي ظل عالم تتغير فيه التحالفات والمواقف بسرعة، فإن تعزيز الشراكات مع دول مثل فرنسا يمثل رصيداً سياسياً واستراتيجياً مهماً ، ففرنسا ليست فقط عضواً دائماً في مجلس الأمن، بل هي أيضاً من الدول المؤثرة في القرار الأوروبي، وتملك علاقات متشابكة في إفريقيا والشرق الأوسط، ما يجعل دعمها لمصر دعماً متعدد الأبعاد.

في خطوة تحمل كثيرًا من الدلالات السياسية والإنسانية، جاءت زيارة الرئيس السيسي و ماكرون إلى مدينة رفح، لتؤكد مجددًا على أهمية الدور المصري في دعم الاستقرار الإقليمي، والتضامن الدولي في مواجهة الأزمات الإنسانية. من وجهة نظري، هذه الزيارة لم تكن مجرد تحرك دبلوماسي، بل جسّدت مواقف مبدئية ورسائل واضحة للعالم، تعكس التزامًا حقيقيًا بالقضية الفلسطينية وحرصًا على دعم الجهود الإنسانية في قطاع غزة.
و من المهم أن نعي أن العلاقات بين الدول لا تخلو من اختلافات، وهذا طبيعي ، فقد تختلف وجهات النظر بين القاهرة وباريس أحياناً في بعض الملفات الحقوقية أو في أولويات السياسات الخارجية ، لكن الأهم من هذه الخلافات هو وجود مساحة للحوار والنقاش والاحترام المتبادل ، ومن هذا المنطلق، فإن العلاقة بين مصر وفرنسا يمكن وصفها بأنها ناضجة، قادرة على تجاوز التباينات، والمضي قدماً نحو آفاق أرحب من التعاون.

في الختام، تمثل زيارة الرئيس ماكرون لمصر رسالة واضحة لكل من يحاول تقزيم الدور المصري أو التشكيك في استقلالية قراره السياسي ، فقد جاءت الزيارة لتؤكد أن مصر شريك لا غنى عنه، لا تابع لأحد، وأن سياستها الخارجية المتزنة والمنفتحة قادرة على بناء تحالفات استراتيجية تصب في مصلحة شعبها، وتخدم الأمن والسلم الإقليمي والدولي ، فكل التحية للقيادة السياسية التي تثبت يوماً بعد يوم أن مصر قادرة على أن تكون في قلب المعادلة، لا على هامشها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى