مقالات

حالة التنمية فى مصر

بقلم عبدالفتـاح الجبـالـى

تحت هذا العنوان أصدر معهد التخطيط القومى تقريره السنوى السادس، وذلك بالتعاون مع لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربى آسيا (الإسكوا) يقيم فيه مسار التنمية فى مصر باستخدام دليل التنمية الجديد. ويعكس صورة عن الأداء التنموى فى ثلاثة مجالات رئيسية هى التنمية البشرية المعدلة بالجودة والاستدامة البيئية والحوكمة. ويرى التقرير أنه وعلى الرغم من التقدم الكبير الذى أحرزته مصر فى بعض هذه المجالات، إلا انها لم تصل بعد إلى المتوسط العالمى لدليل التنمية البشرية. ولايزال أداؤها الحالى أقل بكثير من إمكاناتها.
ويركز التقرير على نهج جديد لتقييم الإنجازات كما ونوعا، يقوم على أساس أن الدخل وحده لايعكس التقدم نحو تحقيق مجتمع مستدام وشامل ومنصف للجميع، لاسيما فى مجالات الدخل والصحة والتعليم. إذ أن التركيز على الأبعاد الكمية فقط لا يعكس الصورة كاملة فعلى سبيل المثال فالخدمات عالية الجودة لا يحصل عليها إلا الأثرياء فقط بينما يضطر معظم السكان للاعتماد على خدمات عامة أقل جودة مما يعمق أوجه عدم المساواة بين الفقراء والأغنياء فى التنمية البشرية. وهنا يشير التقرير إلى أن الدخل المعدل بعامل الجودة،الذى يعكس مدى تأثير نمو الدخل فى الحد من الفقر، قد سجل أدنى مساهمة له فى دليل التنمية البشرية فبلغت نسبة السكان تحت خط الفقر نحو 34.3% عام 2023 ويرتفع معدل فقر الدخل إذا ما قورن بمستوى الدخل. وتتسع الفجوة أكثر إذا ما قورن بعامل عدم المساواة. وتتضح هذه المسألة بشدة فى التنمية البشرية فعلى الرغم من التقدم الذى تحقق فى الوضع الصحى لسكان مصر على مدى العقود الماضية، إلا انه لايزال عدم المساواة متجذرا فى نظام الرعاية الصحية الأمر الذى يتطلب بذل المزيد من الجهد للحد من هذه التفاوت. لاسيما أن ثلثى الإنفاق على الصحة يأتى من حساب المرضى الخاص مما يثقل بشدة على كاهل الأسر منخفضة الدخل ويحد من إمكانيات وصولها لخدمات الرعاية الصحية الأساسية. وهنا يشير التقرير إلى ضرورة التفرقة بين متوسط العمر المتوقع ومتوسط العمر الصحى المتوقع إذ لربما يعيش السكان عمرا أطول ولكن ليس من الضرورى بصحة أفضل. كما لا تتوزع الخدمات الصحية بصورة عادلة خاصة فى المناطق الريفية والمحرومة من الخدمات الصحية اللائقة. وهو ما يحتاج إلى سياسة صحية متكاملة وإلى إدارة فعالة للموارد وضمان الوصول العادل للخدمات الصحية. وينطبق نفس القول على التعليم إذ ان أوجه عدم المساواة تؤدى إلى ارتفاع معدل التسرب من المدارس، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى سياسات هادفة، تذلل العقبات أمام الفئات المحرومة لضمان حصول جميع الأطفال على التعليم الجيد وعلى قدم المساواة. ويرجع التقرير ارتفاع معدلات الفقر، خلال فترة الدراسة، إلى ضعف العملة المحلية وارتفاع الدين العام وارتفاع معدل التضخم خاصة وانخفاض معدلات المشاركة فى القوى العاملة والتوظف، ناهيك عن تراجع معدلات النمو وأيضا النزاعات الإقليمية التى اثرت بالسلب على الحركة فى قناة السويس وعلى السياحة.
ويرى التقرير أن مصر تستطيع تحقيق معدل نمو أكبر استدامة وأوسع شمولا إذا ما أعطت الأولوية لضبط أوضاع المالية العامة واجراء إصلاحات هيكلية وتمكين القطاع الخاص.
يناقش التقرير دليل فعالية الحكومة، الذى يقيم كفاءة وجودة الخدمات العامة وتنفيذ السياسات فى إطار البعد الأكبر وهو الحوكمة، الذى يعكس شمول المؤسسات وخضوعها للمساءلة والمشاركة السياسية وشفافية القوانين ومدى إنفاذها والرقابة على السلطة التنفيذية ونزاهة ودقة الإدارة العامة ومشاورات المجتمع المدني. ومن اشد العوامل تأثيرا على فعالية الحكومة مستوى الانفاق العام ومدى كفاءته. إذ يتبين من الإنفاق العام كيفية ارتباط موارد المالية العامة بالحوكمة الفعالة. حيث شرعت مصر فى الإنتقال من موازنة البنود والإعتمادات إلى موازنة البرامج والأداء بهدف تحسين تخصيص الموارد ولكن من المهم أيضا دراسة النفقات العامة بعد خصم مدفوعات الفائدة، لأن سداد الديون من أهم المسئوليات التى تتولها السلطة المالية ولاتسهم أسهاما مباشرا فى تحسين تقديم الخدمات العامة أو التنمية البشرية، حيث توجه الأموال بعيدا عن المجالات الحيوية للتنمية مثل التعليم والصحة وتطوير البنية التحتية، خاصة إذا كان الإنفاق العام يغذى بإفراط عن طريق الديون، لاسيما الدين الخارجي. بحيث لا يمكنها من تحقيق التنمية المستدامة والتقدم الإنمائى طويل الأمد. ولايرجع السبب فى ذلك الى محدودية الموارد المالية فحسب بل أيضا وهو الأهم، إلى الضعف الهيكلى والمؤسسى فى مالية الدولة بما فى ذلك تخصيص الموارد العامة واستخدامها بكفاءة. فإذا ما أولى صانعو القرار الأولوية للانضباط المالى وإدارة المخاطر، فإنه يجنب البلاد مخاطر الإفراط فى تراكم الدين وما يؤدى إليه من تكاليف مرتفعة لخدمته. ويمكن الحكومة من تخصيص موارد أكثر لخدمات التعليم والصحة. وبالتالى يجب العمل على حوكمة الدين والانضباط المالى والقدرة المؤسسية واستكمال جهود ضبط أوضاع المالية العامة باستراتيجيات إدارة الدين للحد من الاعتماد عليه. والعمل على توسيع الحيز المالى الذى يمكن استثماره فى التنمية البشرية. وهذا بدوره يقتضى من لجنة إدارة الدين، المنشأة حديثا، ضمان الشفافية فى قرارتها كما يجب العمل على تعزيز قدرات وحدة إدارة الدين العام التابعة لوزارة المالية من أجل تنفيذ استراتيجية لإدارة الدين فى المدى المتوسط.
يمثل الإصلاح الهيكلى أحد أهم سبل بناء قدرة الاقتصاد على الصمود، والتى من أهم صورها توسيع النشاط الاقتصادى فى القطاعات الصناعية التى تتيح فرص عمل مستدامة ولائقة، وتزيد من فرص العمل فى وظائف مستقرة، وتجذب المزيد من الإناث إلى القوى العاملة وتضيق الفجوة بين الجنسين فى سوق العمل. وهو ما يتطلب المزيد من الاستثمارات التى تولى الأولوية للعمل اللائق وتعزز رأس المال البشرى وتوخيا لنمو اقتصادى يعود بالمكاسب على فئات المجتمع كافة. مع وضع إطار محكم للسياسات الاجتماعية وتصميم تدابير ناجعة لإعادة توزيع الدخول والإصلاحات المؤسسية، مع زيادة الانفاق الاجتماعى على التعليم والصحة وتيسير الوصول الى الخدمات العامة واعتماد برامج تنموية لاستهداف المناطق المهمشة. وإصلاح المؤسسات العامة لتعزيز الشفافية والمشاركة من خلال اصدار قانون لحرية الوصول للمعلومات. وتحسين جودة الخدمات العامة عبر التوسع فى الرقمنة وتبسيط الإجراءات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى