
ولد سامي عبد العزيز، في كنف أسرة تعيش على الكفاف. ربُّ البيت، يَكِدُّ ويكدح، في سبيل لقمة العيش لأولاده الخمسة ولتعليمهم.
“مستورة والحمد لله”، لا تفارق هذه الكلمات، لسان أمه، تربي أولادها على الستر والرضا بالمقسوم وتحفِّزَهم على التحصيل العلمي وشق طريقهم إلى مستقبل أحلى وأفضل.
وعلى الرغم من شح الجني والمدخول، كانت تؤمن لأولادها كل ما كل احتياجاتهم. وكانت الجدة، التركية الأصول، تسهر هي الأخرى، على أن يربي أحفادها على التُقى، ومحبة واحترام الآخرين، والتعالي والترفع عن الصغائر.
باكراً، عرف الطفل سامي الاعتماد على نفسه سنداً لأبيه المَعيول. لم يكن بعد بلغ التاسعة من سنيه، عندما استغل إجازة الصيف، التي كانت الأم تحب أن تقضيها “مع العيال” في جيرة الأقارب، فعمل في متجر للنجف والكريستال والأدوات المزلية، فجمع مما كان يتقاضاه من أجر لشراء الكتب، والانفاق على ما كان يحتاجه من دون الطلب من أبيه أو أمه.
حباهُ الله بذاكرة حفاظة، وبصحوة ذهينة وَقَّادَة، وفتح له بالمعرفة ما لم يتفح لسواه من أترابه، فانكب سامي يلتهم العلم يدرس في الليل أحيانا على ضوء” قنديل الزيت” اقتصاداً للكهرباء، لا يلهي نفسه عن التحصيل والنجاح، بأي شيء كان أترابه يغرونه به، فأبلى في مراحل التعليم ،حتى وصل الى باب الجامعة.. فاختار كلية الاعلام، جلس على مدرجاتها، نهل، استوعب، استفهم، فهم، حفظ و… نجح.
نال سنة 1975 تقديراً متميزاً في البكالوريوس أهله ليصبح “معيداً” في الكلية التي أحبَّ.
وكأنه ولد لكي يكون معلماً وأستاذاً ، أعطى تلاميذه من روحه قبل علمه، فاصطفوه من دون غيره من اساتذة الكلية، فسار ذكره كل مسير الجامعة وخارجها.
قَسَا عليه الزمن، توعك والده، فانقطع ما كان يؤمنه لإعالة أولاده الأربعة وأمَّهُمُ. ففكر سامي بالسفر لتأمين ما يسعف على علاج والده، ومعيشة أخوته، فاصطدم بالقانون، الذي كان، أيامذاك،يمنع المُعيد من السفر الى الخارج!
عرف سامي، بالتواتر، أن عميد كلية الإعلام الدكتور عبد الملك عودة، رحم الله روحه، قد كُلِّفَ بتأسيس”قسم الإعلام” في “جامعة الملك عبد العزيز” في السعودية فطلب من العميد تسهيل سفره أستاذاً محاضراً.
أعانه الدكتور عودة، ولم يرفض له طلباً فَقَدَّمَ استقالته وسافر.
لم تدم غربته عن مصر طويلاً، فعاد إليها بعد أربعة اشهر فقط،كانت كافية لجمع ما اسعفه على مصاريف، وطلبات إخوته، ثم شراء سيارة من طراز “فيات”.
واشتدت الحاجة عليه، وما كان يجنيه من التدريس، بالكاد أن يكفي حاجات، ومتطلبات أخوته، ناهيك عن مصروف البيت وطلباته.. فلم يطأطئ للحاجة رأسه، حوَّلَ السيارة “تاكسي” يدور فيها آناء الليل في شوارع المحروسة حتى يتفتق جلد الليل عن النهار، فيركنها، ويتحول “سائق تاكسي” يدور وراء “القرش” ولقمة عيش إخوته ، “أستاذ جامعة” يحاضر ويكتب.
ولم يكتفِ، راح يدرس يقضي أوقات الراحة في مكتبة الجامعة، بين المراجع السميكة، يحضر رسالة الماجيستير، فحصل عليها بدرجة متميزة، وأكمل… اختار لأطروحة الدكتوراه موضوعاً شائكاً ومتطلباً: “كفاءة الاتصال وانعكاسه على الصورة الذهنية”، نوقشت اطروحته، ونال الدكتوراه سنة 1988 وترقى سنة 2000 الى منصب “أستاذ ورئيس قسم” العلاقات العامة والإعلان في كلية الإعلام في “جامعة القاهرة”.
لم يخفِ سامي عبد العزيز، أن عمله “أسطى سواق”، قد فتح له مجال مخالطة شرائح عديدة من المجتمع المصري، والتمرس، والتعود على الاستماع، والانصات، والتواصل، والوقوف على مشاكل المجتمع، وأصبح قادراً على غربلة الافكار، وفهمها واسعفه ذلك كله، في وضع نظريات حول الاتصال التنظيمي، الذي اشتغل عليه طويلاً.
وأدرك سامي عبد العزيز،بالخبرة المكتسبة من تطوافه في شوارع القاهرة ، ومن دردشته مع الركاب، أنه من يريد أن يؤثر في الناس،عليه أولاً أن ينصت إليهم و… يفهمهم.
طلب المزيد من الجامعات البريطانية، فسار إليها، تدرب على “فن التعامل مع وسائل الإعلام”.
عاد إلى مصر يمارس ما تعلمه، وليصبح من أشهر، وأمهر المتعاطين بالتسويق الاجتماعى والسياسي، فأسهم في تخطيط ، وتنفيذ حملة “قانون الضرائب الجديد”الذي وضعته وزارة المال، وأجرى، سنتها، بتكليف “الهيئة العامة للاستعلامات” التابعة لوزارة الاعلام،(اتحاد الإذاعة والتليفزيون)، العديد من دراسات “قياس الرأي العام”، ولوزارة قطاع الأعمال أيضاً.
وصرف الدكتور سامي عبد العزيز، وقتاً في إعداد وتنفيذ العديد من الدورات التدريبية، فى مجالات التخطيط الإعلامي، وقياس فعاليته، الاتصال ومهارات العرض والإلقاء والتفاوض، التسويق السياسي، العلاقات العامة وإدارة الأزمات.. كما شارك فى العديد من الدورات التدريبية في مصر والعالم العربى وفي الغرب.
تولي مهام تسويق حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، التي تصدرت عناوين صحف العالم ، وانضم عضواً فاعلاً في “لجنة التنسيق والتواصل مع الجهات المعنية باللجنة العليا للانتخابات”.
كان البارز الفاعل في الحملات الإعلامية لتنظيم الأسرة من 1994 وحتى عام 2002 ، و إعداد وتنفيذ حملة لدعوة المواطن المصري فى المشاركة فى انتخابات مجلس الشعب، الحملة القومية لتشجيع شراء المنتج المصري، برنامج اتصالى متكامل لتسويق مفهوم الخصخصة فى مصر، حملات نشر الوعى بالقراءة على مدار عامي 1997-1998، الحملة القومية لتدعيم صورة رجال الأمن فى مصر لدى الجمهور، حملات ترشيد استهلاك مياه النيل، إعداد وتنفيذ الحملة الإعلامية المتكاملة لتغيير الاتجاهات نحو مفهوم الإحصاء والتعداد السكاني والإسكاني، الحملة القومية ضد المخدرات، الحملة القومية للتوعية البيئية لمنظمة “يونيسف” .
بطلب من الحكومة السورية، وضع الكتور سامي عبد العزيز، خطط تطوير الأداء الإعلامى لوزارة الإعلام السورية. وبرنامج اتصالي متكامل لنشر الوعى بأهمية الاستشارة النفسية لضحايا الحروب والأزمات دولة الكويت، برنامج لتوسيع قاعدة العضوية باتحاد الصناعات المصرية.
الدكتور سامي عبد العزيز مشارك مستديم في المؤتمرات كمؤتمر وزارة الإعلام والشباب العربي؛ مؤتمر المجلس القومى للمرأة (الأول والثاني)؛ مؤتمر اتجاهات التحديث في التعليم والتدريب فى العالم العربى؛ مؤتمر الحزب الوطني السنوى الثانى ؛ مؤتمر آفاق الإعلان العربى الأول والثانى والثالث والرابع؛ مؤتمر أخلاقيات الإعلام؛ مؤتمر الإعلام المحلى والتنمية؛ مؤتمر تكنولوجيا الاتصال.
مشاركة الدكتور سامي عبد العزيز في المؤتمرات العالمية خارج مصر، لا عَدَّ لها، فهو يتلقى الدعوات من الجامعات الكبرى والمؤسسات المشتغلة بالاعلام والإعلان.
أكاديمياً ، أشرف على ما يقرب من 50 رسالة ماجستير، ودكتوراه، في الجامعات المصرية فى مجال الإعلام والتسويق.
على الرغم من تنكبه المسؤوليات الصعبة، والمتطلبة، وجد الدكتور سامي عبد العزيز، متسعاً من الوقت، ليسبح قلمه على الصفحات، وتنزل من صرير قلمه الأفكار النيرة، المستنيرة، وتتجمع في كتب ودراسات، نعدد منها ها هنا: “دراسة اتجاهات الرأى العام نحو مجلس الشعب”؛ “دراسة تأثير وسائل الإعلام على الصورة الذهنية لمجلس الشعب”؛ “دراسة تتبعية لتقييم برنامج صباح الخير يا مصر منذ بدايته وحتى عام 2004″؛ “راسة استخدام استراتيجيات التسويق فى تدعيم القيم الأجتماعية دراسة نقدية تطبيقية”؛ “دراسة لتنمية مصادر اتحاد الأذاعة والتليفزيون”؛ز”دراسة معالجة الأخبار فى قناتى النيل الدولية والقناه الأولى دراسة مقارنة”؛ “دراسة الاتجاهات العالمية الحديثة فى سياسات الاعلان الدولى”؛ “دراسة ثقافة المجتمع وتأثيرها على المشاركة المجتمعية”؛ د”راسة اتجاهات الدراسات الإعلانية في مصر”؛ و”دراسة اتجاهات الإعلان التجاري في الفضائيات العربية”.
وزين الدكتور سامي عبد العزيز أرفف المكتبة العربية، بمؤلفات قيمة، منها: “الاتصالات التسويقية المتكاملة” ؛”فن الإعلان”؛ “مهارات الاتصال الشخصي”؛ “مقدمة فى الإعلان “؛ “مدخل إلى تخطيط الحملات الإعلامية”.
الجرأة من لزوم شخصية الدكتور سامي عبد العزيز. مجادل ثَقِفٌ، استوسع في أمور الاعلام والاعلان، فلا يجاريه أحد فيهما.
لا أعرف شبيهاً له في طلاقة اللسان، وقوة العقل، وسلامة الفطرة، ونفاذ البصيرة، وسعة الافق، وحدة الذكاء، ومضاء العزيمة.
ولا أعرف مثله ، من يمعن في البحث، والتقصي، وينعم النظر في كل ما يعترض له، ويخرج من بحثه بالرأي السديد، البناء.
ودود، يجذبك بحديثه، لبق في ترتيب كلماته ، يزن ويوازن، ماهر في السرد يتمتع بقدرة فائقة على إقناعك برأيه.
إذا كنت محظوظاً سيتيح لك الرجل مشاركته فى الحوار، فهو محور الحوار، ولابد أن تكون من المهارة أن تلتقط منه خيط الحديث. شاركته في ندوة دارت في “قاعة إيوارت” في “الجامعة الأمريكية”، وكان ثالثنا الدكتور جلال ذكي ، خبير الاعلان المشهود له، فقطع علينا سامي عبد العزيز ، باسترساله الشيق ، فرصة أن نقول ونزيد، ولم ننجح فى التقاط خيط الحديث أكثر من دقائق معدودات.
لكن الرياح لم تكن دائماً في شراعه، وعلى الرغم من أنه صديق صدوق خالص الود صادقاً، لا يطوي صدره على مَقتٍ. ساءهم النجاح الطاغي الذي حققه في كل المجالات ، فراحوا يوشون عليه.
كان الزمن، زمن حسني مبارك، في حكم مصر، رغبوا أن يكون الدكتور سامي عبدالعزيز، مستشاراً إعلامياً لأكثر من قيادة من قيادات أيامذاك، فلبى، اسوة بغيره من المبرزين، الذين طلب العهد والنظام الاستعانة بعلمهم وخبراتهم. وحدث أن طلبت “هيئة سوق المال” مشورته، وأسس وكالة “رؤية” التي شاركت في إعداد، وتنفيذ العديد من الحملات الإعلامية والإعلانية.
فقام نفر من زملائه فى الجامعة، يلوحون بالاعتراض عليه، مستندين إلى مادة في “قانون تنظيم الجامعات” تنص على عدم الجواز لأعضاء هيئة التدريس أن يجمعوا بين وظيفتين، أو يشاركوا فى إدارة عمل تجاري.
ورفعوا الأمر الى وزير التعليم العالي. ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا يحرضون الطلبة على أستاذهم.
فما كان من الدكتور سامي عبدالعزيز إلا أن تقدم بطلب إجازة لظروف صحية ونفسانية.
قام الدكتور حسام كامل رئيس “جامعة القاهرة”، وقتذاك، بتكليف الدكتور حسن عماد مكاوي، وكيل الكلية بالقيام بأعمال عميد الكلية.
ترك بعدها الدكتور سامي عبد العزيز العمادة، واختير لرئاسة “لجنة قطاع الدراسات الاعلامية”، بالمجلس خلفا للدكتورعدلي رضا الأستاذ بقسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة.