فن وثقافة

الحكيم وياسمينا

قصة بقلم د. ريهام نبيل حفناوي


إلى صغيراتي … خديجة ونورما.
كان يا مكان في سالف العصر والأوان، أهالي البلدة المهجورة سمعوا عن قدوم حكيم الزمان الذي ذاع صيته منذ سنوات بأنه يحمل في جعبته أينما ذهب حلا لكل عصيب أيا كان، وبمجرد أن نادى المنادي في كل الأرجاء عن قدوم الحكيم … خرجت الحشود أفواجا وأفواجا لتستمد منه الحكمة والنصيحة ولييسر لهم حلول العقد ويسهل عليهم صعاب الأيام … وخرجت بعدهم ياسمينة السعادة …. كما لقَّبها أهل بلدتها ولقصتها حكاية …. ياسمينا فتاة جميلة كانت تسعى دوما لخدمة ذويها، وتقدم العون للغريب والقريب، كانت أميرة، صاحبة قلب لين وابتسامه جميلة، كانت ياسمينا نشيطة تخرج للسعي وراء الرزق منذ الصباح الباكر لتعود بعد يوم شاق محملة بكل جميل، حتى الحلوى تجلبها للصغار المنتظرين على باب منزلها حين عودتها، كعادتهم كل يوم … كانت الفرحة تحل في أي مكان تذهب إليه الصغيرة، وكانت تحمل في طيات قلبها أحلاما وخططا عن كيفية صناعة “حلوى السعادة السحرية” التي ستصنعها من مواد طبيعية وصفات ربانية لإسعاد كل قلوب البشرية، وأنها ستقتطع جزءا كبيرا من ربحها لتستثمره في تجارة السعادة …ولكن لظروف ما … ضلت ياسمينا الطريق في أثناء بحثها عن سر حلواها واستيقظت لتجد نفسها في مغارة أحزان الزمان بعدما أختطفها وحش الأيام، وحبسها في مغارة الأحزان ، وكادت ياسمينا أن تفقد بُصلتها، وتنسى أين؟  ولأين قبلتها …؟! حتى عنوانها في بلاد الطيبين كادت أن تنساه .. ولكن عندما عاد إليها اليقين … منحها الله البصيرة والعزيمة، وفلتت من براثن الوحش اللئيم، وعادت بسلامة القلب لبلاد الطيبين … وفي رحلتها العصيبة من مغارة أحزان الزمان إلى العودة لأرض الطيبين، أدركت ياسمينا أن السعادة هي السلعة الأمثل التي يحتاجها كل إنسان ليسلم، ولا يمكن لاي إنسان أن يسلم بدونها، فهي تركيبة من الرضا واليقين، والسكينة التي تزرع في القلوب، وتروى بالحب، لنجني ثمارها فدادين سعادة بمحاصيل وفيرة … والسعادة بحر لا نهاية له، يجود كلما أخذنا منه ويفيض بعطائنا حبا.

عادت ياسمينا ومن يوم عودتها … عادت لفكرتها … كيف تصنع “حلوى السعادة السحرية ” لتسعد قلوب البشرية وتروج لتجارتها … كيف تصنع حلواها السحرية ومن أين تجلب المكونات الطبيعية التي تتناسب مع قلوب البشرية المتقلبة، وكيف تقنعهم أن هذه الوصفة لم تحصل عليها إلا في طريق عودتها من مغارة أحزان الزمان، ولم يتحقق أثرها إلا عندما اقتنع قلبها وعقلها وسلما مقايضيهما لرب الزمان.

في ذلك اليوم بالتحديد، حين كانت ياسمينا تتأمل حلمها الكبير عن “حلوى السعادة السحرية”، تأكدت الأنباء عن قرب وصول حكيم الزمان. كانت تتمنى منذ زمن أن تلتقي بهذا الحكيم العجيب الذي يستطيع حل أصعب المعضلات. ربما يمكنه أن يرشدها إلى مصدر وفير للمكونات السرية التي تحتاجها لصناعة حلوى السعادة.

خرجت ياسمينا ولحقت بالحشود إلى ساحة البلدة الكبيرة، حيث كان الجميع ينتظر سماع وصايا الحكيم ليجدوا الطريق، وعلى الرغم من أن ياسمينة السعادة كانت متحمسة إلى سماع وصايا الحكيم فقد كانت على يقين أن الحكيم ووصاياه هما سبب أرسله الله لها.

ووصل الحكيم، الذي كان يبدو عليه أثار الزمان وخبرة السنين وتجارب الحياة … كل من تحدث إليه شعر بسلامة القلب وهدوء النفس. وبدأ الحكيم يستمع إلى صعاب الحياة ومشكلات القلوب وخلافات الزمان التي ذهب بها أهالي القرية لمرسال الحكمة، مانحاً لكل شخص نصيحة بسيطة، ولكنها عميقة.

وها قد حان الدور على ياسمينا، التي اقتربت منه في حذر، وباحت له في عجل عما هو كامن في قلبها ويدور في عقلها، وقالت: “يا حكيم الزمان، لدي حلم أود تحقيقه. وتجارة ابتغي منها رزقا وفيرا أحفظه في خزينة أيامي وأقايض بالسيئات الحسنات ” ابتسم الحكيم وقال “وما هو حلمك يا صغيرة” … ردت دون تفكير “أود فتح دكانة للسعادة، وأرغب في صناعة حلوى السعادة لتجلب الفرح لكل من يتذوقها، وتمحو من القلوب ندبات الحزن وجراح الأسى، ولكن ليس لدى الإمكانيات أن أوفر المكونات التي تليق بكل جراح القلوب”
أجابها الحكيم بحزم: “ولكن لتعلمي أن تجارة السعادة لا تدر مكاسب مادية، ولن تمدك بالذهب ولا الياقوت ولا المرجان … ولابد أن تتحلي بالصبر والجهد والإيثار وحلو الكلام ولتمتلكي مفتاح القلب من باب السلام ولا تعودي لمغارة الأحزان وإلا فقدت سحر الوصية ونسيتي الوصفة السحرية”. أكدت ياسمينا رغبتها … وصممت على فرحتها … وأجابت الحكيم وقالت: “تجارة السعادة مكسبها سعادة، ولا يوجد في قاموس تعاملاتها بند الخسارة … لا تبخل على بالسر،  واتعهد أنني سأظل على العهد”
ابتسم الحكيم بلطف وقال: “يا صغيرة، السعادة ليست في المكونات المادية، ولكن في النية الطيبة والمحبة التي تضعينها في كل ما تصنعيه. كلما صنعت شيئاً بحب وإخلاص وإتقان حبا في الله وبالله، سيشعر به كل من يتذوقه… ستصل وصفتك للقلوب وستتمكنين دائما من قهر شبح الأحزان المجنون، وإنقاذ الضحايا من براثنه القوية”

أدركت ياسمينا رسالة الحكيم، وعرفت أنه قد منحها المفتاح الذي كانت تبحث عنه منذ أن عادت إلى بلاد الطيبين … أدركت أنه منحها وصفة للحياة. عرفت أن القوة الحقيقية تكمن في أن يكون الإنسان نورًا لمن حوله … تعلمت أن ليست المكونات “غير العاديه” هي ما سيجعل الحلوى سحرية، بل العطاء بنية نقية، التسامح والعفو بقلوب قوية، الصدق في الفعل والقول، الكلم الطيب الذي يضيء القلب، والحب ثم الحب وبالحب وللحب … الحب دائما مفتاح القلوب الطيبة.

ومنذ ذلك اليوم، كانت هذه الرسالة بالنسبة لياسمينا بمثابة نقطة تحول، منذ عادت إلى بلاد الطيبين، وهي تبحث عن طريقة تعبر بها عن امتنانها. والآن، وقد وجدت الإجابة بين كلمات الحكيم، أصبحت تنظر إلى كل عمل تقوم به كفرصة للحياة تثمن به أيامها … فرصة لبث الفرح والمحبة في القلوب … عرفان بالحمد لمن أعطاها الفرصة وأفلتها من بين أنياب الوحش.

بدأت ياسمينا في صناعة حلوى السعادة، وزينت كل قطعة منها بمعانٍ خفية، فلم تكن مجرد حلوى، بل أصبحت سرا للفرحة، جلبت السعادة للقلوب في كل مكان … وكانت ياسمينا دائمًا تردد: “حلوانا صنعت بالحب” وأصبحت هذه العبارة علامتها … وحققت ياسمينا فرحتها وراجت تجارتها وفاضت بالحب خزائنها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى