مقالات

الاستثمار العام وحقيقة مزاحمة القطاع الخاص

بقلم: عبدالفتـاح الجبـالي

يثار بين الحين والآخر الحديث عن كون الاستثمارات العامة تزاحم القطاع الخاص مما لا يمكنه من أداء الدور التنموى المنوط به. وعند البحث عن مدى صحة هذه المقولة لابد من الإشارة إلى أن الإقتصاد المصرى يعانى بالأساس من انخفاض معدل الاستثمار والذى يقدر فى مشروع خطة عام 2025/2026 بنحو 17% وهو معدل منخفض للغاية لا يتناسب مع الإحتياجات التنموية للبلاد إذ ان المطلوب لتحقيق معدل نمو مرتفع يتراوح بين 7% و8% فى المتوسط خلال السنوات العشر القادمة لتحقيق ما نصبو اليه من طموحات ويقضى على البطالة ويحد من التضخم ويقلل من الفقر، يحتاج إلى استثمارات تتراوح بين25% و30% أى أن هناك فجوة كبيرة فى الموارد المحلية.
وهنا تجدر الإشارة إلى العلاقة الطردية بين معدل الاستثمار ومعدل النمو الإقتصادى حيث إنهما يتحركان معا صعودا وهبوطا.إذ أدى ارتفاع معدل الاستثمار من 15.2% عام 2020/2021 إلى 17% عام 2021/2022 إلى زيادة معدل النمو من 3.3% إلى 6.6% خلال نفس الفترة. وعندما تراجع معدل الاستثمار الى 12.9% عام 2022/2023 هبط معدل النمو الى 3.8%.

وبالمثل أدى تراجع معدل الاستثمار الكلى إلى 11.9% عام 2023/2024 لتراجع النمو الى 2.9%. ولذلك كانت مساهمة الاستثمارات بالسالب فى معدل النمو حيث بلغت سالب 3.7% عام 2022/2023 وسالب 0.7% عام 2023/2024. بسبب تقلص الاستثمار العام وعدم قيام القطاع الخاص بتنفيذ الاستثمارات المتوقعة منه. وهى قضية محورية يجب مناقشتها فى ضوء التوجهات الاقتصادية الحالية.

وقد أثبتت التجارب الناجحة فى النمو أنها هى التى يتوجه فيها الجزء الأكبر من التدفقات الاستثمارية إلى القطاعات الأكثر قدرة على توليد فرص عمل جديدة أو إضافة قيمة مضافة حقيقية إلى الإقتصاد القومى وتحديدا القطاعات الإنتاجية وليس الخدمية. ونقصد بها تحديدا الصناعة والزراعة وهو ما أثبتته الأحداث الجارية على الساحة العالمية منذ أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. فالتنمية هى إضافة طاقات إنتاجية جديدة للمجتمع عن طريق الاستخدام الأمثل للموارد المالية ورفع معدل الاستثمار. وحجر الزاوية هنا هو زيادة التشغيل ورفع الإنتاجية. وبالتالى فإن جزءا كبيرا من حل أزمة مصر الإقتصادية يتطلب بالأساس زيادة معدل الاستثمار بشقيه العام والخاص. ومن الأمور المهمة التى تثار هى الحديث عن مزاحمة الاستثمارات العامة للقطاع الخاص مما يتطلب الحد منها واتخاذ المزيد من الإجراءات لانسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي.

وهنا تطرح العديد من التساؤلات أولها هل تجاوزت الاستثمارات العامة الحجم الأمثل لها؟ وماهى طبيعة العلاقة بين الاستثمارات العامة ومثيلتها الخاصة؟ وغيرها من الأسئلة وهو ما يتطلب تحديد المستويات المثلى للإنفاق العام الاستثماري.

ومن الجدير بالذكر أن الإستهلاك النهائى يلعب دورًا مهمًّا فى تنشيط الطلب، كنتيجة للآثار الإقتصادية والإجتماعية الناجمة عن التوسع فى الإنفاق العام والخاص، نظرًا لما يترتب عليه من زيادة فى الطلب الفعلى الإجمالي؛ لما يحدثه من آثار نتيجة لأثر كل من «المضاعف» و«المعجل»، والأولى تتعلق بأثر التوسع فى الإنفاق العام على زيادة الدخول فى صورة أجور ورواتب وبالتالى زيادة الإنفاق الاستهلاكي؛ حيث يؤدى إلى حلقات متتالية من الإنفاق، فالمضاعف يرتبط ارتباطًا طرديًّا بالميل الحدى للاستهلاك.أما أثر المعجل فهو الآثار غير المباشرة المترتبة على الإنفاق العام من خلال الزيادة فى الطلب على الاستثمار على قطاعات الإقتصاد القومي، ولا شك أن التفاعل بين المضاعف والمعجل يحدث آثارًا تراكمية على الدخول والإنتاج والإستهلاك والإستثمار ومن ثم الدخل القومي. ولعل من أهم دواعى الإنفاق الاستثمارى العام هو فشل الأسواق مما يتطلب التدخل الحكومى والعمل على تحقيق العدالة فى توزيع الدخل والآثار الجانبية للنشاط الاقتصادى (Externalities) والإحتكار الطبيعى فكما قال أرثر لويس فى كتابه» نظرية النمو الاقتصادي» والصادر عام 1955 «ان الحكومات قد تفشل لأنها تفعل أقل مما ينبغى أو لأنها تفعل أكثر مما ينبغى فدورها يتطور مع الزمن».

كما أن الانشغال بحجم الحكومة يصرف الانتباه عن فعاليتها، فالهدف هو تحسين فعاليتها وليس تجريدها من مهامها حيث لا توجد صيغة واحدة صالحة للتطبيق فى كل البلدان وفى أى زمان، فلكل دولة خصائصها التى تنفرد بها وخبراتها التاريخية وواقعها المعيش.

ومع تسليمنا الكامل بأن هناك حدودا قصوى للاستثمار العام لا يمكن تخطيها، وذلك انطلاقا من أن أفضل ضمان لاستمرار القطاع العام هو تحوله إلى قطاع كفء من الناحية الإقتصادية.

وهذا ما يتطلب الإنخراط فى الأعمال والأنشطة الإقتصادية الأساسية وترك الباقى للقطاع الخاص. وعلى الجانب الآخر يجب تعزيز إمكانات القطاع الخاص ليصبح قطاعا ديناميكيا قويا قادرا على المنافسة ويعمل وفقا لقواعد وضوابط السوق فى ظل إطار مؤسسى يعزز المنافسة ويمنع الإحتكارات ويضع القواعد التنظيمية للدخول والخروج من الأسواق. إن نجاح هذه السياسة يعتمد بالأساس على وجود سوق تنافسى قوي، وهى مسألة مهمة فى ظل الأوضاع الحالية بالأسواق المصرية من هنا فقد أحسنت الحكومة صنعا بإصدار وثيقة ملكية الدولة حين ركزت على الحياد التنافسى كوسيلة فعالة لضمان حرية المنافسة دون الحاجة إلى النظر فى شكل الملكية. ولهذا صدر القانون رقم 156 لسنة 2023 بإلغاء المعاملات الضريبية التفضيلية المقررة لجهات الدولة فى الأنشطة الإستثمارية والإقتصادية.

كما أوضحت الوثيقة عزم الحكومة عن التخارج من العديد من الأنشطة والتصرف فى بعض الأصول إلخ. فى ضوء ما سبق أصبح من الضرورى العمل على تنظيم الأسواق ومواجهة السلوك الاحتكارى وتفعيل دور الدولة لتعويض أوجه النقص. وذلك عن طريق التدخل الواعى والذكى وضبط عملية السوق بما يجعله قادرا على العمل بكفاءة وفعالية ويضمن توافر الظروف التى تجعل تفاعل العرض والطلب يتم فى إطار حقيقى غير مصطنع، نابع من الإرادة الحقيقية للمتعاملين.

مع ضمان التخطيط الاستثمارى السليم عن طريق توفير البيانات والمعلومات عن القطاعات الإقتصادية، وذلك بالشكل الذى يمكن الجميع من إجراء دراسات الجدوى السليمة والصحيحة. وكذلك توفير المناخ الاستثمارى الجيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى