فن وثقافة

«نمزكان»… حين تصبح القراءة آلة الزمن والعقل بوابة الوعي

كتب: عمرو درويش


رواية “نمزكان” للكاتب ياسر الغسلان ليست مجرّد حكاية تُروى، بل تجربة فكرية وروحية يتقاطع فيها الأدب مع الوعي، والفلسفة مع الخيال، والزمن مع الذات. في هذا العمل، لا يدور السرد حول السفر التقليدي عبر الزمن كما عهدنا في أدب الخيال العلمي، بل يبتكر الغسلان طريقة جديدة وأكثر عمقًا: العبور إلى الماضي عبر الوعي، والعودة إلى الذات عبر القراءة. البطل “آدم” لا يمتطي آلة زمن ميكانيكية، بل يغوص في عوالم الكتب ودهاليز ذاكرته، في رحلة تشبه كثيرًا ما نعيشه نحن حين ننسى الزمان والمكان ونحن بين دفتي رواية عظيمة.
تطرح الرواية أسئلة وجودية كبرى ببراعة سردية دون أي افتعال أو مباشرة: لماذا نقرأ؟ لماذا نكتب؟ ما الذي يجعل من الكاتب كاتبًا؟ كيف تتكون شخصية القارئ؟ هذه الأسئلة لا تُطرح كحوارات فلسفية جامدة، بل تتجسد من خلال مواقف الشخصيات وصراعاتها، مما يمنح القارئ تجربة تأملية تتجاوز حدود النص.
آدم، الشخصية المحورية، هو قارئ وكاتب شغوف، لا يسعى فقط للتأثر بالكبار، بل يبحث عن صوته الخاص وبصمته التي لا تشبه أحدًا. يدرك أن الكمال في الكتابة وهم، وأن كل نص هو محاولة مستمرة لتشكيل الذات. إلى جانبه، تبرز شخصية “عبير”، التي تشكل إحدى أبرز نقاط القوة في الرواية، وقد أبدع الكاتب في رسم تعقيدها النفسي وتحولاتها الداخلية. عبير ليست فقط شخصية، بل مرآة لعلاقة الإنسان المعاصر مع ذاته المتقلبة. أما “غالية”، فتمثل الطموح الباحث عن صوت، وهي الشابة التي كادت أن تفقد شغفها في بداياتها، لكنها تجد في رحلتها الذاتية ما يجعلها تنهض وتصر على التعبير.
أسلوب الكاتب يتسم بالثراء، حيث تتقاطع اللغة الشاعرية مع التأملات الفلسفية، دون أن تفقد الرواية حسّها الواقعي. اللغة مرنة تتغير وفق الحالة الشعورية للمشهد، ما بين التجريد أحيانًا والواقعية الحية في أحيان أخرى. بنية الرواية نفسها متداخلة، لا تسير بخط زمني واحد، بل تتنقل بين الحاضر والماضي والخيال، لتخلق مشهدًا سرديًا غنيًا يضاهي الأعمال العالمية في تقنيته.
القرّاء الذين تفاعلوا مع الرواية وصفوها بأنها ليست فقط “نص يُقرأ”، بل تجربة يعاد تشكيلها داخل كل شخص يمر بها. بعضهم قال إنها رواية جعلتهم يعيدون النظر في معنى أن تكون كاتبًا أو قارئًا، وآخرون اعتبروا شخصياتها مرايا لأسئلتهم الخاصة. أحد التعليقات وصف الرواية بأنها “صحوة فكرية وشعورية”، فيما قال آخر: “هي عمل يُخاض بالقلب والعقل معًا، لا يمكن أن تنتهي منه كما بدأت”.
“نمزكان” ليست رواية تقليدية، بل تجربة وجودية تعبيرية تقود القارئ إلى أعماقه، وتدعوه للتفكير في علاقته بالكتابة والقراءة والهوية والوعي. هي عمل أدبي لا ينتهي بانتهاء الصفحات، بل يترك أثرًا دائمًا يعيد تشكيل نظرتك للأدب والحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى