رســــــــوم الإسعـــــــاف وتسعير الخدمــــــات العامــة
بقلم:عبد الفتــــــــــــــــــاح الجبـــــــــــالى

حددت هيئة الإسعاف المصرية لائحة أسعار تطبق على الحالات غير الطارئة والتعاقدات والتأمين للمباريات والحفلات وغيرها من الأنشطة العامة والاكسجين، وذلك دون التطرق لخدمات الطوارئ التى تقدم بالمجان، وهو القرار الذى اثار بعض الجدل والنقاش لأنه يتعلق بالفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة.
والنقاش حول هذا الموضوع المهم يتطلب أولا معرفة دور الهيئة والخدمات التى تؤديها؟ وثانيا دور الدولة فى التعامل معها؟ فمن المعروف ان الإسعاف كفكرة نشأت أساسا فى بدايات القرن الماضى تحديدا عام 1902 وغلب عليها الطابع الأجنبى الى ان تم تمصيرها بموجب القانون رقم 49 لسنة 1945 وأصبحت هيئة خدمية تابعة لوزارة الصحة بموجب القانون رقم 8 لسنة 1966، مع العلم بأنها تتبع المحليات إداريا وتتولى الوزارة متابعتها فنيا وإشرافيا، ويعمل العاملون بها فى ظروف غاية الصعوبة خاصة مع ضعف الاعتمادات المالية المخصصة لها سواء للأجور والحوافز او للاستثمار والصيانة، ورغم ذلك فهم يؤدون عملهم بصورة طيبة للغاية، رغم نقص الإمكانات والموارد المتاحة لهم.
وتعد الحالة الصحية أحد اهم دعامات التنمية خاصة انها تؤثر تأثيرا مباشرا على المجتمع بأكمله من حيث القدرات الإنتاجية وإمكانات التطور. وبالتالى فان الإنفاق على الصحة يسهم مباشرة فى تحسين نوعية الحياة وجودة النمو. فالنمو الاقتصادى ليس مهما فى حد ذاته مالم يكن مصحوبا بتنمية حقيقية لقدرات البشر تنعكس فى النهاية فى مستوى معيشة لائق وحياة مديدة خالية من الامراض. وهكذا يلعب الانفاق على الصحة عدة ادوار مهمة فهو من جهة يسهم فى ايصال الخدمات الصحية الى جميع ارجاء البلاد، خاصة تلك التى يعود النفع منها على القطاعات العريضة من السكان مثل التطعيمات ضد الامراض ومعالجة انتشار الاوبئة والأمراض المستوطنة وغيرها. كما انه من جهة اخرى يسهم فى تعزيز قدرة الاسرة على تحمل تكاليف العلاج، ويرفع العبء عن كاهل المرضى من الفقراء وغير القادرين.
ويعتبر تصحيح هذه الاختلالات أحد المهام الاساسية للحكومات، خاصة ان الامراض تؤثر على جميع طبقات المجتمع بطريقة او بأخرى. وبعبارة اخرى فاذا كان المرض، وهو كذلك بالتأكيد، يمثل عبئا ينوء به الفقراء، الا ان الكوارث الصحية يمكن ان تؤدى الى نتائج وخيمة على غير الفقراء أيضا من خلال خسارة الدخول المحتملة او التكاليف الباهظة التى يتحملونها من جيوبهم الخاصة للحصول على الرعاية الصحية. وبالتالى فإذا كان المرض يؤدى الى المزيد من الإفقار للفقراء، فانه يؤدى ايضا الى انتقال شرائح من المجتمع من حالة اليسر الى حالة الفقر.
من هنا فقد اضحى تحسين الحالة الصحية وإيصال الخدمات الصحية الى جميع المواطنين مسئولية اساسية للحكومات. وعلى الرغم من التغير الذى طرأ على دور الدولة، ممثلا فى انحسار دورها الاقتصادي، فإنها مع ذلك تظل مسئولة عن التعليم والصحة والمرافق العامة، وكذلك الاستثمار فى خدمات الرعاية الصحية الأساسية لمحدودى الدخل، وهذا لا ينفى بالطبع أهمية العمل على تحقيق فاعلية الإنفاق العام عن طريق ضمان التأكد من إن هذا الإنفاق يذهب فى الغرض المخصص له فقد تتوافر الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، مجانا وبكميات ونوعيات مناسبة، ولكن لأسباب معينة لا يستطيع الفقراء الوصول إليها إما لأنهم أفقر من ان يتحملوا التكاليف المصاحبة للاستفادة بهذه الخدمات (مثل فقدان الدخل) أو تكاليف الدواء أو تكاليف الانتقال الى مكان هذه الخدمة وهى الأمور التى ينبغى أن تتوجه إليها الاهتمامات فى عملية الإصلاح المالي.
اذ تعمل نظم الرعاية الصحية على تحقيق هدفين ،اولهما تسهيل حصول المواطن على حزمة اساسية من الخدمات الصحية، دون اعباء تذكر وبحد أدنى من الاسعار على ان تتحمل الخزانة العامة الفروق السعرية فى هذا الصدد. وتوفير الامكانات الضرورية للحصول على هذه الخدمات خاصة فى ضوء القيود الشديدة على قدرة الافراد الفقراء فى الحصول على الخدمات الصحية مثل نقص المعرفة بشأن الخدمات المتوافرة خيارات العلاج. وصعوبة الوصول الى العيادات الصحية فى بعض المناطق مع ما تعانيه هذه الاماكن اصلا من مشكلات، وبمعنى آخر فمازالت هناك مشكلات عديدة فى الحصول على الخدمات الصحية ذات النوعية الجيدة فى الكثير من المناطق.
من هذا المنطلق نعرج الى دراسة القرار المشار اليه آنفا وهنا نلحظ ان الإسعاف تدخل ضمن ما نطلق عليه الخدمات العامة وهى عديمة المرونة ،بمعنى ان الزيادة فى السعر لا تؤثر على الطلب، حيث يضطر المواطن الى استخدامها والانصياع التام للسعر. وبالتالى ينبغى على السياسة التسعيرية ان تأخذ بعين الاعتبار هذه المسألة وذلك مراعاة لاعتبارات العدالة الاجتماعية وهنا يمكننا التفرقة بين ثلاثة أنواع من الخدمات تقدمها الهيئة أولها خدمات الإسعاف للحوادث على الطرق او المرضى بالمنازل او حالات الإسعاف الطارئة وهى مجانية ويجب ان تظل كذلك، وثانيها خدمات تتعلق بالتأمين للمرافق الخارجية مثل المباريات والحفلات الجماهيرية والرحلات والمسابقات وهى كلها أنشطة يغلب عليها الطابع التجارى وبالتالى لابد من تحصيل رسوم عليها وفقا للسائد بالسوق، او تترك للقطاع الخاص اذا كانت ستؤثر على النشاط الأساسى للهيئة اما اذا كانت ستدر دخلا إضافيا فيجب ان تعامل بقواعد المنافسة وأسعار السوق، وتكمن المشكلة فى النوع الثالث من الخدمات مثل أسعار نقل المرضى او خدمة ايجار الأكسجين للأفراد وهى التى ارتفعت بشدة مع العلم بان المستفيد الأساسى منها هو الشرائح الدنيا فى الطبقة المتوسطة وأصحاب المعاشات وهى الشرائح ذات الدخول المحدودة، وهى تتعامل مع امراض صعبة للغاية مثل الشلل النصفى او التليف الرئوى وغيرهما وهم من يحتاجون لهذه الخدمات الامر الذى يجعل من الضرورى مراعاة ذلك عن تقديم الخدمة وهو مالم يحدث فى القرار الأخير حيث زادت هذه الخدمات بصورة كبيرة للغاية تجعل من الصعوبة بمكان على هؤلاء الاستفادة منها.
يضاف الى ما سبق ضرورة العمل على تنمية موارد الهيئة وذلك من عدة مصادر يأتى على رأسها ضرورة حصول الهيئة على 25% على الأقل من رسوم المرور على الطرق وغيرها من المصادر التى تساعد فى تحسين الأوضاع المالية للهيئة والعاملين بها ورفع كفاءتها.