
بداية … هل ما صرح به الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مؤتمره الصحفى عقب مباحثاته مع رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو ، كان إعلاناً رسميا لإسدال الستار عن عملية السلام فى منطقة الشرق الاوسط ، واعترافاً صريحا منه بتخليه عن خيار الدولتين وتهربا من فكرة الدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقله ؟
حقيقة الأمر، أن ماقدمة ترامب فى مؤتمرة الصحفى يشكل زلزالاً غير مسبوق يعصف بأمن وإستقرار المنطقة، بإعلانه بشكل رسمى القضاء على فكرة دولة فلسطينية ، بل وإعلانه فرض سيادة إسرائيل على الضفة الغربية وإعطائها الضوء الأخضر لتدميرها، وتأكيده أنه لا يمكن أن يكون هناك سلاماً فى ظل وجود حماس وأن ما حدث فى السابع من أكتوبر ممكن حدوثه مرة أخرى فى ظل وجود حماس والفوضى العارمة من الانفاق فى غزة،مشدداً على ضرورة خروجهم من قطاع غزة .
ودون مواربه .. فقد نجح نتنياهو حقًا فى تحقيق كامل أهدافه “السرية”، وبدعم جماعة حماس له بتقديمها كافة الذرائع ليس لتدمير حماس وقدراتها العسكرية بل وتدمير القضية وفكرة الدولة الفلسطينية التى أصبحت اليوم فى مهب الريح، لتبقى مجرد حلم ربما لا يتم تحقيقه ، مع تعرض المنطقة بالكامل لحالة من عدم الاستقرار والأمن عقب إجهاز إسرائيل على حماس وحزب الله وإسقاط النظام السورى ، وفى ظل أوضاع عربية عاجزة .
كما جاء مؤتمر ترامب بعيدًا عن صنع السلام العادل فى المنطقة وتجاهلة تماما لخيار الدولتين، ليصبح أكثر تطرّفا وعنصرية من نتنياهو ، بتقديمه حلول لتصفية القضية الفلسطينية والتهديد بسيناريوهات مفتوحة لمزيد من الدمار فى ظل رفض حماس خروجها من المشهد السياسي والعسكري، وإصراره على التهجير القسري لسكان غزة وبما يحمله من دلالات أهمها، أنه لم يعر اى إهتمام أو إعتبار للفلسطينين، كما لم يعر أي اهتمام او احترام لكافة القوانين الدولية التى تؤكد حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيرة .
ومع إصراره فى التخفيف من الضغط على القاهرة وعمان أشار إلى أن هناك بعضا من الدول او ٥ أو ٦ مناطق أبدت موافقتها على استقبال أهالى قطاع غزة دون الافصاح عنها .. فيما يرى بعض المراقبين أن تلك الدول قد تضم “سوريا تونس ليبيا وربما المغرب ” فى ظل المشروع الأكبر
لتوسيع الاتفاقات الابراهيمية، وفرض الأمر الواقع، بفتح الباب بشكل أكبر أمام خيار السلام والتنمية، ومتجاهلا القضية الفلسطينية .
وأعتقد أن إعلان ترامب اتسم بالرعونة والتهور فى عنصرية مقيتة باعلانه سيطرة امريكية كاملة لقطاع غزة لإعادة إعمارها فى ظل حماية عسكرية أمريكية، وبما يقتضى فى تلك المرحلة الشائكة تحميل الجميع حماس بمسؤوليتها عمادوصلت اليه الامور من كارثة سوداء على فكرة الوجود الفلسطينى على الأراضى الفلسطينية وبإصرار أمريكى على ترحيلهم خارج قطاع غزة ، وتبقى الحقيقة المؤلمة أن حماس كانت الخنجر المسموم الذى طعنت فيه الفلسطينين جميعا وأمتها العربية والإسلامية، وإسدال الستار عن فكرة السلام فى المنطقة.
ويبقى الخروج من المشهد الراهن يقع على عاتق الجانب الفلسطينى والمؤيدين له وما يملكه من أوراق أهمها توحيد الخطاب الفلسطيني، إعادة تعميق فكرة المقاومة الشعبية السلمية وبعودة السلطة الفلسطينية بقوة إلى قطاع غزة وإدارتها و بمسؤولية عن كل خروج عن القانون مع إعلان حماس رسمياً انسحابها الكامل من المشهد الحكومى والسياسي والعسكري .