
كثيرون كانوا يسألونني كيف يرى الطبيب النفسي البشر ؟
و كنت كثيراً ما أتوقف أمام هذا السؤال تتملكني حيرة من أين أبدأ ؟
فكم العلوم التي يستدعيها الطبيب النفسي يعجز لساني عن ذكرها كاملة و هي ما يقرب من أربع و عشرين علماً …
و هنا أتحدث عن شيء بسيط يتداوله الناس فيما بينهم أنها لغة الجسد أو الفراسة أو غيرها و الحقيقة أن الطبيب النفسي النابه يتقن قراءة البشر طبقاً لقراءته لعقولهم فالعقل البشري به خريطة لمراكز الحركة و الإحساس و الوظائف العليا تتناسق و تتناغم في مخرجاتها طبقا لطبيعة كل إنسان و جيناته و ثقافته و درجة تعليمه و أخلاقه و معتقداته و هنا تتباين إنفعالات البشر تجاه المواقف .
و يظهر الجسد البشري كثيراً من ردود الفعل التي تخرج طبقاً لطبيعة الحدث و تأثيره على الإنسان و هنا يتوقف الطبيب النفسي بهدوء لقياس كل ذلك … فمن طريقة الحكي و تناسقها مع إنفعالات الوجه و محتوى الحديث و طريقة التعبير و أسلوب الحديث و شكل الأفكار و محتواها و مدى حكم الشخص على هذا الأمر أو ذاك.
كل هذا بهدوء يراه الطبيب النفسي حكاية تستحق السماع و الإنصات فالكل يختلف في تعبيره عن ألمه و يرى الطبيب النفسي كم الألم و عمقه بلا كذب و لا تلفيق و مع كل كلمة يحضر ضماداته التي سيضمد بها هذه الجروح أو هذه العلة أو الإضطراب .
أكاد أجزم أن الطب النفسي يكاد يكون الأصعب بين علوم الطب جميعها نظرا لأن إتقان هذه الصنعة يحتاج كثيراً من الدرس و سنيناً نمضيها في فهم العقل البشري و الغوص في أعماقه .
و سيظل الطب النفسي ليس رفاهية للشعوب و لكن ضرورة تستقيم بها حياة الأجساد أو كما يقول الإنجليز
No Health Without Mental Health
و سأظل طبيباً عاشقا للطب و علومه و صنعتي في الطب النفسي .