مقالات

مصر .. التاريخ والجغرافيا

بقلم: د/ رامي عطا



لمصر مكانة مُهمة ومُتميزة من حيث التاريخ “الزمان” والجغرافية “المكان”، فعلى مستوى التاريخ هي واحدة من أقدم الدول التي تأسست حول العالم، وقد تعاقبت على أرضها حضارات كثيرة أفادت البشرية وتفاعلت مع غيرها من الحضارات، هي الحضارة المصرية القديمة والحضارة اليونانية- الرومانية والحضارة القبطية والحضارة العربية- الإسلامية، والحضارة المصرية الحديثة، وفي مصر الكثير من آثار كل فترة وحقبة زمنية، وقد صمدت أمام الغزاة والمُحتلّين، لكنهم رحلوا عنّا واستمرت هي “أُمًّا للدنيا”، محروسة وقاهرة ومنصورة.
ولمصر موقع جغرافي فريد، فهي قلب العالم القديم، تقع في قارتين، قارة إفريقيا وقارة آسيا، وتطل على بحرين، هما البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، تربط بينهما قناة السويس، ويمر بها نهر النيل، من الجنوب إلى الشمال، ويلقبونه بشريان الحياة، وبها أيضًا عدد من الترع مثل ترعة الإبراهيمة وترعة الإسماعيلية، كما أن بها “14” بحيرة مثل بحيرات مريوط وإدكو والمنزلة والبردويل وسيوة وقارون وناصر وتوشكى..، ومن مظاهر التنوع الجغرافي أن مصر تمتلك أراض زراعية وأخرى صحراوية ومناطق جبلية، ما جعلها قبلة للسُياح من مختلف دول العالم.
تذكرت هذه المعلومات عن جغرافية مصر وتاريخها وأنا أشاهد مؤخرًا فيلمًا تسجيليًا أعده مجموعة من طلاب الإعلام، في إطار مقرر التدريب العملي، عن الجمعية الجغرافية والجمعية التاريخية، بما يحملانه من إرث حضاري، وما يقومان به من دور علمي ونشاط ثقافي.
تأسست الجمعية الجغرافية بمرسوم أصدره الخديو إسماعيل (1863-1879م)، حفيد محمد علي (1805-1848م) والمؤسس الثاني لمصر الحديثة، في 19 مايو عام 1875م، وهي بذلك تحتفل العام المقبل بمناسبة مرور “150” عامًا على تأسيسها. وقد تعاقب على رئاستها جغرافيون وأكاديميون كبار، من الأجانب والمصريين. تغير اسمها مع تغير الظروف والأحوال السياسية، حيث تأسست أولًا باسم الجمعية الجغرافية الخديوية، ثم حملت اسم الجمعية الجغرافية السلطانية عام 1917م، ثم الجمعية الجغرافية الملكية المصرية عام 1922م، ليستقر الاسم على الجمعية الجغرافية المصرية بعد ثوة 23 يوليو 1952م، وهي بالمناسبة تاسع جمعية جغرافية على مستوى العالم والأولى خارج أوروبا والأمريكتين.
والجمعية الجغرافية التي تطل على شارع قصر العيني، حيث تقع بجوار مقر مجلسي النواب والشيوخ، بها مكتبة تضم الكثير من أمهات الكتب والمخطوطات والخرائط والرسائل العلمية والوثائق، بالإضافة إلى المتحف الإثنوجرافي الذي تأسس عام 1924م، ويعكس التاريخ الاجتماعي للمصريين، من حيث العادات والتقاليد والحرف والمهن، وهو يضم ثلاث قاعات، قاعة القاهرة وقاعة إفريقيا وقاعة قناة السويس، وتنظم الجمعية محاضرات مُتخصصة في الجغرافية، كما كانت الجمعية تعقد موسمًا ثقافيًا قويًا ورائدًا، لكنه توقف بعد أحداث ثورة 25 يناير 2011م، بسبب وقوعها في قلب المظاهرات والاحتجاجات آنذاك، وإن كنت أتمنى لهذا الموسم الثقافي أن يعود مُجددًا، يُشارك فيه الباحثون ويحضره طلاب الجامعات.

وأنتقل إلى الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، التي تأسست بالقاهرة عام 1945م، تحت اسم الجمعية الملكية للدراسات التاريخية، بهدف نشر الوعي التاريخي والنهوض بالدراسات التاريخية. تعاقب على رئاستها وعضوية مجلس إدارتها عدد من كبار المؤرخين والأكاديميين، ويقع مقرها الحالي في مدينة نصر في شارع يحمل اسم الراحل العظيم الدكتور رءوف عباس، المؤرخ الكبير الذي كان أستاذًا للتاريخ في كلية الآداب جامعة القاهرة، والفضل في إعداد وتجهيز المقر الحالي للجمعية التاريخية يرجع للشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث حصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة القاهرة، ثم الدكتوراة في التاريخ من المملكة المتحدة، وهو يحمل في قلبه محبة وتقديرًا لمصر ومواطنيها.

وتهتم الجمعية التاريخية بجمع الوثائق والمذكرات الخاصة، بالإضافة إلى تنظيم مؤتمرات علمية وندوات تثقيفية، وأذكر أنني شاركت في مؤتمر نظمته الجمعية التاريخية عام 2019م بمناسبة مرور مائة عام على ثورة المصريين سنة 1919م ضد الاحتلال البريطاني، حيث شاركت بورقة عمل حول دور الصحافة أثناء تلك الثورة.
ولعل أقترح هنا الاهتمام بمقرر الدراسات الاجتماعية وطرق تدريسه، خاصة في المرحلة الابتدائية، بما يُسهم في بناء الوعي وتشكيل الهوية ودعم الانتماء الوطني، دون أن يتعارض ذلك مع الاهتمام بدراسة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وتقنيات الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية وغيرها من مستحداث تكنولوجية؛ اصطحاب الأطفال والنشء وشباب الجامعات في زيارات ميدانية للمواقع الثقافية والأثرية والمتاحف والمناطق الجغرافية، للتعرف على مصر الزمان والمكان، التاريخ والجغرافية؛ إعداد موضوعات صحفية وإعلامية، مكتوبة ومسموعة ومرئية، للتعريف بهذه المواقع للمصريين والأجانب، ويمكن الاستفادة هنا من الأشكال الجديدة لطرق إنتاج المحتوى الإعلامي، مثل الإنفوجراف والفيديوجراف والتقارير المصورة..، بما يُسهم في التعريف بحضارات المصريين عبر العصور والأزمنة المختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى