إحياء صناعة الغزل والنسيج وآثارها الاقتصادية

بقلم: عبد الفتـــــــــاح الجبـــــــالى
يعد افتتاح د.مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء المرحلة الأولى من المشروع القومى لتطوير صناعة الغزل والنسيج، بمثابة البداية لعودة الروح لهذه الصناعة العملاقة مرة أخرى، خاصة أنه شدد على «أن الدولة المصرية لن تدخر جهدا أو مالا فى توفير كل الإمكانات للنهوض بتلك الصناعة، وأن الدولة تعمل على إحياء أصولها الكبيرة التى ترى أن هناك جدوى حقيقية من إعادة أحيائها». وهكذا يبدو أننا فى مرحلة جديدة تختلف عن السابق، حيث شهدت هذه الصناعة، خلال العقود الماضية،إهمالا واضحا، وعانت عدة مشكلات أساسية منها تقادم وتهالك المعدات والآلات بها نتيجة عدم ضخ أى استثمارات جديدة فى هذه الشركات منذ عشرات السنين. وعدم قدرة الشركات على تصريف منتجاتها نتيجة لإتساع نطاق التهريب فى الأسواق المصرية والسياسات الجمركية الخاطئة مما أثر بالسلب عليها. ولا شك فى أن النهوض بهذه الصناعة وإعادة إحيائها يصب فى مصلحة الإقتصاد القومى إذ تعد من أقدم وأعرق الصناعات المصرية على الإطلاق، بل إن معظم محاولات بناء صناعة مستقلة مصرية قد بدأت انطلاقا من هذه الصناعة خاصة بعد أن تخصصت مصر فى زراعة وتصدير القطن إبان فترة محمد على وما تلاها. من هنا يمكننا القول دون أدنى تجاوز للحقيقة إن تاريخ مصر الإقتصادى قد ارتبط أساسا بهذه الصناعة وما يحدث بها من تطورات وتغييرات. وقد لعبت بدورها دورا مهما فى المجتمع، إذ أسهمت فى سد حاجة السوق المحلية من المنسوجات والملابس من جهة وأسهمت بقدر كبير فى الصادرات المصرية من جهة أخرى. ومن المعروف أن هذه الصناعة ذات قيمة مضافة عالية، وخير دليل على ذلك أن تصدير الطن من الملابس الجاهزة يصل إلى خمسة أضعاف تصدير طن القطن الخام ورغم ذلك فمازالت تشكّل صادرات القطن الخام النسبة الغالبة من إجمالى صادرات القطاع، وبالتالى لا يستفيد الإقتصاد القومى من القيمة المُضافة العالية لهذه الصناعة. ناهيك عما تتميز به من قدرة على استيعاب أعداد متزايدة من الأيدى العاملة بإعتبارها صناعة كثيفة العمالة، إذ يعمل بها نحو مليون عامل بصورة دائمة، منهم نحو 43.5 ألف فى الشركة القابضة والشركات التابعة لها، وهناك ما بين نصف مليون ومليون عامل بصورة غير دائمة. ويبلغ عدد المنشآت العاملة بها نحو 85 ألف منشاة، منها 19 ألفا فى المنسوجات و65 ألف فى الملابس الجاهزة. مع ملاحظة أن احتمالات التوسع فى هذه الصناعة كبير للغاية حيث يتزايد الطلب عليها عالميا ومحليا نتيجة لعدة عوامل، يأتى على رأسها تزايد مشاركة المرأة فى سوق العمل مع ما يعنيه ذلك من زيادة فى الطلب على نوعية معينة من هذه المنتجات علاوة على الإهتمام المتزايد بالإعتبارات الصحية داخل الدول المتقدمة، وكذا التغيير فى أسلوب الحياة والتطورات الديموغرافية العالمية. كما شهدت هذه الصناعة تطورات تكنولوجية هائلة بحيث أصبحت من أهم الصناعات الرأسمالية من حيث التقدم الفنى والتخصصات الرفيعة التى تتعامل مع التكنولوجيا المتقدمة والإلكترونيات. وهكذا لم تعد المنافسة فى هذه الصناعة قائمة على التكلفة فقط بل أصبحت تعتمد على عوامل أخرى مثل الجودة والإلتزام بشروط التسليم وسرعة التصدير وكذلك المرونة فى إنتاج نوعيات مختلفة من المنتج. كل هذه المؤشرات وغيرها تشير إلى أهمية توفير المقومات اللازمة لحماية ومساندة هذه الصناعة (عام وخاص) وذلك من خلال تدعيم قدراتها الفنية والتكنولوجية وبما يحقق إنتاجا متطورا يفى بمتطلبات السوق العالمية والمحلية على السواء. مع محاربة التهريب وإحكام الرقابة على المنافذ وتغليظ العقوبات على جريمة التهريب. وإعادة النظر فى نظام المناطق الحرّة بما يكفل إحكام السيطرة على السلع المتداولة من خلالها. وعلى الجانب الآخر يجب أن تتم دراسة التطورات فى زراعة القطن والطلب عليه ووضع الأطر المناسبة للتعامل مع المشكلات الراهنة والنابعة أساسا من عدم مواكبة المحصول لما يحدث من تغييرات وتطورات عالمية وإقليمية تتعلق بصناعة الغزل والنسيج، والتى يشكل القطن فيها نحو 75% من إجمالى التكلفة باستثناء الأجور. حيث إنه من الصعوبة بمكان إعتماد المغازل المحلية على الأقطان المصرية الممتازة والطويلة لعدة أسباب، منها أنها لا تلبى إحتياجات الصناعات النسيجية والتى تحتاج إلى أقطان قصيرة ومتوسطة وذلك فى ضوء الفن التكنولوجى المستخدم فى هذه المصانع. حيث يتميز القطن المصرى بارتفاع ثمنه مقارنة بالأسعار العالمية للقطن المستورد، علاوة على إرتفاع الهالك من هذه الأقطان نتيجة لعدم ملاءمة المغازل المحلية له. القطن المصرى ممتاز وطويل يستخدم فى إنتاج الأنواع الفاخرة من الملابس والغزول وهى تلبى طلبات فئات وشرائح مجتمعية ذات الدخل المرتفع جدا، وهو ما يؤدى إلى انخفاض الطلب عليها وهو ما أدى الى تراجع الطلب العالمى على هذه النوعية من الاقطان. ويرجع السبب فى ذلك لعاملين أولهما ضيق القاعدة التى تطلب هذه النوعية من المنتجات، وثانيهما أن التطور التكنولوجى لهذه الصناعة أدى لإنتاج هذه النوعية الفاخرة من الأقطان قصيرة التيلة وبالتالى تخفيض التكلفة ومن ثم الأسعار. علاوة على تراجع الاستهلاك العالمى من الأقطان ككل. وبالتالى أى تغيرات يتعرض لها سعر القطن أو نظام تسويقه يؤثر بشكل فعال على أسعار بيعه للمغازل ومن ثم على تكلفة الإنتاج فى صناعة الغزل والنسيج والملابس، وبالتالى يصبح من الضرورى إعادة النظر فى التوسّع فى زراعة القطن بحيث تتم زيادة المساحة التى تتم زراعتها بالقطن قصير متوسط التيلة بدلاً من القطن طويل التيلة وذلك حتى يتم توفير احتياجات الصناعة من القطن. أو على الأقل السماح باستيراد الأقطان (قصيرة التيلة ومتوسطة التيلة) منذ بداية العام دون الحاجة إلى قرار وزارى.
وتعديل التعريفة الجمركية الخاصة بالغزل والنسيج، يأخذ بعين الاعتبار التفرقة بين الغزول والملابس الجاهزة بحيث تنخفض على الأولى وترتفع على الثانية. والعمل على استنباط سلالات جديدة ذات إنتاجية مرتفعة وجودة عالية تتلاءم مع الطلب المحلى والعالمى، وهو ما يتطلب قيام الحكومة بتقديم كل أوجه الدعم الفنى والمادى للمزارعين للإقبال على زراعة هذه النوعيات الجديدة، مع توفير كل المرافق والخدمات اللازمة لإحداث هذه النقلة المهمة.