مقالات

تعفن الدماغ ..و عصر التضليل المعلوماتي

بقلم د/ مارينا إبراهيم ميخائيل*

“العلم هو السلاح الأقوى الذي يمكن أن تستخدمه لتغيير العالم” وصف بهذه الكلمات الذهبية نيلسون مانديلا أهمية المعرفة و العلم في تشكيل مستقبل الشعوب.

أصبحت تلك المعرفة في حد ذاتها سلاح ذو حدين يمكن بأحد حديها أن تطيح بعقول شعوب و أمم , وبحدها الآخر يمكن ان ترفع وتمكن و تعز شعوباً أخري، فالمعرفة قوة، من امتلكها عرف النهضة و القوة و الحضارة.

نعيش الان في عصر المعرفة و التكنولوجية المعلوماتية فلا يوجد أمامنا مفر إلا أن نكون علي أحد حدّي تلك المعرفة، إما النهوض و القوة أو الظلام والجهل.

ظهر مصطلح تعفن الدماغ أو Brain rot في السنة الماضية، كما جرت العادة فقد كانت تلك الكلمة لتكون كلمة 2024 لمعجم اكسفورد الجديد.
تشير تلك الكلمة الي تآكل أو انخفاض قدرة الفرد علي التفكير النقدي و التحليل للمعلومة ، نتيجة لزيادة أو تحفيز استقبال المعلومات السطحية للدماغ من خلال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

أصبح تطبيق “تيك توك” و”الريلز” جزءًا لا يتجزأ من حياة الشباب في كل المسكونة و لكننا نسلط الضوء علي الشباب العربي بالعموم و شبابنا المصري بوجه الخصوص، وبات الكثير من أولادنا يعتمدون على المحتوى السريع والمختصر، وأثر ذلك التحفيز المستمر على استهلاك المعلومات القصيرة سلبًا على قدرتهم على القراءة، التفكير النقدي، التحليل والفهم العميق للمعلومة، مما يتسبب فيما عرف كمصطلح “تعفن الدماغ”.

تطبيقا لذلك هو ما نتج عن كثرة مشاهدة الشباب لمقاطع الفيديوهات الصغيرة أو ما يسمي Reels ، قلت قدرة الأشخاص علي قراءة الكتب الطويلة أو مشاهدة محتوي معقد دون ملل، بل أصبحنا نعجز اليوم عن استكمال قراءة 15 صفحة ، ببساطة لأن عقولنا تعودت علي الايقاع السريع و الاشباع اللحظي، نتيجة تعود عقولنا علي المحتوي السريع و المعلومات السطحية غير المهمة.

فتلك الخوارزميات المستخدمة في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي لتحليل و جمع المعلومات عن المستخدمين، تغمرنا دائما بمحتويات متواصلة سواء محتويات مصورة مثل الفيديوهات أو الإعلانات ..الخ
تشتت بذلك انتباهنا مستهلكة الطاقة العقلية لشبابنا و مستنزفة للوقتهم دون أن الإنتباه منهم كأشخاص.

تأثير تعفن الدماغ يمتد إلى الوعي الجمعي للشباب العربي، حيث يصبحون أقل قدرة على التفكير النقدي والتمييز بين الحقيقة والخيال. الإدمان الرقمي الذي بدوره يساهم في فقدان القدرة على التركيز والمشاركة في النقاشات المعمقة.
لذلك فعند اختيار هذا الموضوع و إثارة تلك الكلمة و التركيز عليها يعكس وعينا الجمعي بالأضرار الناتجة عن الإدمان الرقمي.

مما يدعونا الي إعادة النظر في ثقافة استخدامنا للتكنولوجيا الموجودة بين ايدينا. لنقرر علي اي من حدود المعرفة نريد أن نكون مع أولادنا و شعوبنا.

فنحن نعيش الآن بين حروب الجيل الرابع و عصر التضليل المعلوماتي الذي بدأ مع انتشار المعلومات المغلوطة بالأخص علي مواقع التواصل الاجتماعي.
يمثل مواجهة التضليل المعلوماتي و محاربة الشائعات تحديًا كبيرًا خاصة في المجتمعات العربية بالعموم وعلى وجه الخصوص في مصر. تشير الابحاث إلى أن 70% من المصريين يعتمدون على وسائل التواصل الإجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار، مما يجعلهم عرضة للانخداع بالمعلومات المضللة. أظهرت دراسة أجراها مركز “بيو” للأبحاث في 2021 أن نسبة 45% من المستخدمين لا يتحققون من مصادر المعلومات قبل مشاركتها.

كما أكدت دراسة أخرى نُشرت في “مجلة العلوم الاجتماعية” أن المعلومات المضللة تؤثر سلبًا على الصحة النفسية، مما يؤدي إلى القلق والاكتئاب و الكثير من الامراض النفسية الأخرى مما سينعكس علي مجتمعنا.
سينعكس ذلك اجتماعيا، اقتصاديا، معرفيا، صحيا، علميا ، و وعيا، ويمكن أن نبدأ بخطوات بسيطة نساعد بها انفسنا أولاً . فاذا أردت أن تغير من فكر فعليك بالبدء أولاً بنفسك و بيتك
فيمكننا اتباع بعض الخطوات البسيطة لإعادة تنسيق عادتنا الرقمية في بيوتنا العربية و مع افراد أسرتنا و أولادنا.
أولاً: تحديد أوقات معينة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
ثانياً: الاستثمار في التعلم و القراءة بالأخص لو تم تعلم مهارة أو شيء جديد.
ثالثاً: شغل الوقت بالأنشطة المجتمعية أو ممارسة هواية أو رياضة مفيدة.
رابعاً: كرس دائما وقت لعائلتك و أفراد أسرتك.
خامساً: تحقق من المعلومات خاصة علي مواقع التواصل الاجتماعي.

*مدرس الاعلام بقسم الاذاعة والتليفزيون، جامعة الاهرام الكندية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى